وعد بلفور ذلك الوعد البريطاني الشهير الذي منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، وحمل توقيع وزير الخارجية في ذلك الوقت آرثر بلفور، كان بلفور يعتقد أن التاريخ هو مسار لتحقيق إرادة الله، وأن على الإنسان أن يساعد في تحقيق هذه الإرادة. ولكي يفعل ذلك، يجب عليه أولاً أن يؤمن بوجود هدف إلهي، وثانيًا أن يؤمن بإمكانية تحقيق هذا الهدف، مهما كانت الصعوبات.
تفاصيل وعد بلفور.. ومن هو بلفور؟
بلفور، الذي تأثر بوالدته البروتستانتية، كان يؤمن بأن عودة اليهود إلى فلسطين هي إرادة الله، وأنها ستؤدي إلى عودة المسيح. لذلك، عندما صاغ الوعد بإقامة وطن لليهود في فلسطين، كان يعتقد أنه يحقق إرادة الله ويساعد في تحقيق الهدف الإلهي.
مع ذلك لم يكن بلفور قادراً على أن يجعل من الوعد أساساً مركزيّاً في السياسة البريطانية لو لم يكن يشاركه في ذلك شخص آخر هو لويد جورج رئيس الحكومة في ذلك الوقت.
بعد تشكيل حكومة بريطانية جديدة برئاسة لويد جورج، وتعيين آرثر بلفور وزيرًا للخارجية، أصبح الطريق ممهدًا لإصدار وعد بلفور.
قصة تمهيد الطريق لإصدار وعد بلفور
في عام 1952، نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثائق سرية عن الفترة من 1919 إلى 1939، بما في ذلك وثائق تتعلق بتوطين اليهود في فلسطين. وتضمن المجلد الرابع من المجموعة الأولى، في الصفحة السابعة، مقتطفًا من مذكرة كتبها وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917، والتي جاء فيها:
ليس في نيّتنا حتى مراعاة مشاعر سكّان فلسطين الحاليّين، مع أنّ اللجنة الأميركية تحاول استقصاءها. إنّ القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية. وسواء أكانت الصهيونية على حقّ أم على باطل، جيّدة أم سيّئة، فإنّها متأصّلة الجذور في التقاليد القديمة العهد والحاجات الحالية وآمال المستقبل. وهي ذات أهميّة تفوق بكثير رغبات وميول السبعمئة ألف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة “.
أمّا بالنسبة إلى الاستيطان اليهودي في فلسطين فقد أوصى في الجزء الأخير من هذه المذكّرة بما يلي : إذا كان للصهيونيّة أن تؤثّر على المشكلة اليهودية في العالم فينبغي أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين اليهود. ولذا فإنّ من المرغوب فيه أن تكون لها السيادة على القوة المائيّة التي تخصّها بشكل طبيعي، سواء أكان ذلك عن طريق توسيع حدودها شمالاً (أي باتّجاه لبنان) أم عن طريق عقد معاهدة مع سورية الواقعة تحت الانتداب (الفرنسي) والتي لا تعتبر المياه المتدفّقة من “الهامون” جنوباً ذات قيمة بالنسبة إليها. وللسبب ذاته يجب أن تمتدّ فلسطين لتشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن”.
موضوعات مرتبطة.. استشهاد الفنانة الفلسطينية إيناس السقا وأبناؤها في قصف منزلها بغزة
لم يكن الدافع الديني هو السبب الوحيد وراء إصدار وعد بلفور. كانت هناك أيضًا مصالح استراتيجية وراء الوعد. وقد ساعد الإيمان الديني بالصهيونية المسيحية في تسهيل الالتزام بالوعد وتنفيذه.
أسباب وعد بلفور
في الأساس، كانت بريطانيا قلقة من هجرة يهود روسيا وأوروبا الشرقية، الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد. وفي عام 1902، شكلت الحكومة البريطانية “اللجنة الملكية لهجرة الغرباء” لدراسة هذه المشكلة.
اقترح تشرمبرلين، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، إقامة وطن لليهود في منطقة العريش، ولكنّ لجنة الخبراء الصهيونية رفضت الاقتراح لأنّ المنطقة تفتقر إلى المياه، كما أنّ استقرار اليهود فيها سيثير مشاكل بين بريطانيا ومصر.
بعد ذلك، اقترحت الحكومة البريطانية برئاسة بلفور إقامة وطن لليهود في أوغندا، ولكنّ المؤتمر الصهيوني السادس رفض الاقتراح لأنّ أوغندا لا تتمتع بأهمية تاريخية أو دينية بالنسبة لليهود، كما أنّها بعيدة عن أوروبا.
كانت الحكومة البريطانية قلقة من هجرة اليهود من أوروبا الشرقية، فقررت تقديم مشروع قانون إلى مجلس العموم في عام 1904 لوقف الهجرة. لكن مشروع القانون قوبل بمعارضة شديدة من المعارضة، مما اضطر الحكومة إلى سحبه. وفي عام 1905، أعادت الحكومة تقديم مشروع القانون، والذي أصبح قانونًا في عام 1906.
أوروبا تريد التخلّص من اليهود
بعد أن فشلت الحكومة البريطانية في وقف هجرة اليهود إلى بريطانيا، قررت منحهم وطنًا بديلًا في فلسطين. كان لويد جورج رئيسًا للوزراء وآرثر بلفور وزيرًا للخارجية عندما تم وضع التشريع التوطيني. كانت بريطانيا تعتقد أن احتلال فلسطين ضروري استراتيجيًا، ولكن طموحها الاحتلالي اصطدم بمبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون حول حق الشعوب في تقرير مصيرها. جاء وعد بلفور كحل وسط لهذه المشكلة، حيث وافقت بريطانيا على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك من خلال توطينهم هناك. تم إصدار الوعد في 2 نوفمبر 1917، وهو يمنح ما لا يملك إلى من لا يستحق.
كانت بريطانيا قادرة على منع تهجير اليهود من أوروبا الشرقية، لكنها فضلت استخدام هذه العملية لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. فقامت بتحويل قوافل المهاجرين إلى فلسطين، بعد أن وعدت اليهود بوطن هناك، وفرت لهم الحماية والمساعدة اللازمة.
أهداف الحركة الصهيونية وأهداف الدولة البريطانية
ومن الأدلة المهمة على الارتباط الاستراتيجي بين أهداف الحركة الصهيونية وأهداف الدولة البريطانية، ما ذكرته صحيفة “مانشستر غارديان” عام 1916، حيث قال رئيس تحريرها تشارلز سكوت: بلاد ما بين النهرين هي مهد الشعب اليهودي، وقد عاشوا فيها في الماضي قبل أن يُسبوا إلى مصر. أما موسى، فهو مؤسس الدولة اليهودية، وجاء من مصر ليقودهم إلى فلسطين. وإذا ما انتهت الحرب العالمية الأولى بالقضاء على الإمبراطورية العثمانية، فقد يؤدي ذلك إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وهو ما سيكون عودة للوطن بالنسبة لليهود.
أما بالنسبة لأهل فلسطين، فإنهم يشعرون أن كلامهم اليوم هو نفسه كلامهم منذ 82 عامًا. فقد قال سكوت: فلسطين ليست لها وجود قومي أو جغرافي مستقل، إلا ما كان لها من تاريخ يهودي قديم انتهى مع استقلال اليهود. لذلك، عندما أطلق بلفور عليها اسم وطن قومي، لم يكن يعطي شيئًا لأحد غيره.
واُعتُبر وعد بلفور جزءاً من الانتداب البريطاني على فلسطين، وهو انتداب قرّره في مؤتمر سان ريمو عام 1902 المجلس الأعلى لقوات الحلفاء.
موضوعات متعلقة.. أنجلينا جولي Angelina Jolie عن فلسطين: لا يحصلون على حقوقهم كبشر ومنع المساعدات عقاب جماعي
تطبيق وعد بلفور وسرقة وطن
وفي عام 1922، أقرّت عصبة الأمم الانتداب ومعه الوعد، بعد الحرب العالمية الثانية وما رافقها من مجازر نازيّة، اتّسع نطاق الهجرة اليهودية من أوروبا الغربية هذه المرّة إلى فلسطين، وتحوّل الوعد بوطن قوميّ لليهود إلى دولة سرعان ما اعترفت بها رسميا منظمة الأمم المتحدة في عام 1948.
