زمان يافنعربى

شفيقة القبطية رقصت على الذهب وكانت تسقي خيولها شمبانيا.. وفرمان ملكي بسبب موكبها

شفيقة القبطية، راقصة لم يهشد لها مثيل لما حققته من شهرة ومجد وثراء، وكانت حياتها مليئة بالعجائب، حتي أنه تم إنتاج فيلم سينمائي يحمل اسمها، شهرتها أزعجت الأمراء وجذبت الأثرياء، حتي أن موكبها كان مثل مواكب الملوك، بالإضافة إلي خيل موكبها كان يشرب شمبانيا، ولكن نهايتها كان مأساوية من ثراء فاحش إلي التسول حتي تجد قوت يومها.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

بداية الراقصة شفيقة القبطية

ولدت الراقصة شفيقة القبطية 1851، في مدينة القاهرة، لأسرة مسيحية متدينة وكانت حياتها عادية حتي بلغت العشرين من عمرها، وبالتحديد في عام 1871 حضرت شفيقة فرح،  ودعيت الراقصة  شوق ذات الصيت في تلك الفترة، لترقص في ذلك الفرح، ورقصت شوق  وبهرت الحضور من نساء وفتيات، وفي فترات استراحة شوق رقصت الفتيات ومن بينهم شفيقة التي استطاعت أن تلفت انتباه الحضور والراقصة شوق، وكانت تلك اللحظة بداية الراقصة شفيقة القبطية مع الرقص، أعجبت بها شوق وسالتها عن اسمها فقالت شوق “ما تجي أعلمك الرقص؟”.

إلا أن دعوة شوق أغضبت والدة شفيقة، واعتبرتها إهانة، لأن الرقص كان في نظرهم مهنة منحطة وكان يطلق على محترفات الرقص اسم “الغوازي”.

بداية شفيقة القبطية مع الراقصة شوق

شوق كانت أول راقصة تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين الأسر الكبيرة، وحتى تمكنت من الرقص في الحفلات التي كان يقيمها الخديوي، وفي افتتاح قناة السويس، كانت شوق واحدة من الراقصات القلائل اللاتي تمكنن من الرقص أمام الحاضرين في حفلة تكريم الإمبراطورة “أوجيني” التي حضرت لحضور حفلة الافتتاح.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

هروب شفيقة القبطية من أسرتها

كانت أسرة شفيقة من الأسر المتدينة، حيث كانت تحرص على الصلاة في الكنيسة، وكانت شفيقة  تخرج بحجة الذهاب إلي الكنيسة للصلاة ثم تتوجه إلى منزل شوق في شارع محمد علي، حيث كانت تتعلم الرقص منها.

ولم يستمر الأمر طويلا حتي اختفت شفيقة ولم ترجع إلي بيت أسرتها، وقاموا بالبحث عنها في كل مكان ولكن دون جدوى، وبعد حوالي ستة أشهر، عرفت أسرة شفيقة أنها تعمل راقصة في إحدى الموالد الكبرى بالوجه البحري، وفي محاولة منهم لاستردادها أرسلوا قسيس لينصحها بالرجوع عن هذا الطريق، ولكن إصرارها كان أكبر من دعواتهم للعودة

بداية شهرة شفيقة القبطية

شفيقة القبطية كانت فتاة طموحة وملتزمة بقيمها الدينية، حيث قررت أن تعمل تلصق دينتها بجوار اسمها فاطلقت علي نفسها شفيقة القبطية وعملت مع أستاذتها شوق في الأفراح الكبرى في القاهرة، وبعد وفاة معملتها شوق،  تولت شفيقة مكانها وسرعان ما برزت في عالم الرقص، حيث لمع اسمها وأصبحت معروفة في الأسر الكبيرة.

شفيقة القبطية تبتكر طرق رقص جديدة

عندما قررت شفيقة تجديد عروضها الراقصة، قررت أن تبتكر رقصة جديدة تناسب شهرتها. فكانت ترقص في هذه الرقصة بجسمها المائل إلى الخلف، وتحمل على بطنها منضدة صغيرة تحمل أربع كوبات مملوءة بالشربات، بالإضافة إلى ذلك، كانت تضع على جبينها فنياراً مضاء بالشموع “الشمعدان”، وبينما كانت ترقص، كانت تحمل الصاجات في يدها دون أن تسقط أياً من الأكواب أو ينزلق الشمعدان، بفضل قدرتها الرهيبة على الحفاظ على توازنها.

وبفضل شهرتها وطرقها المبتكرة بدأت تتوالي العروض من الملاهي الكبرى لتوظيفها، وكان ملهى (الإلدورادو) أول من نجح في التعاقد معها.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

شفيقة القبطية تجذب الأثرياء

كانت شفيقة تعرف كيف تثير الحماس في قلوب المعجبين من دون أن تلمس المال المتناثر تحت أقدامها. وكانت تستخدم خدمها لجمع هذه الجنيهات وتقديمها لها بعد انتهاء الرقص. يُقال أن أحد الخدم كان يحتفظ بجزء من هذا المال لنفسه، وقد استثمره في شراء عقارات في حي شبرا وقرر اعتزال الخدمة.

وهكذا، برزت شفيقة كنجمة لامعة ولكنها كانت تحتفظ ببساطتها وعفويتها، وهذا ما جعلها محط جذب كثيرين، فقد كانت تمتلك سحراً لا يُقاوم.

خيل شفيقة القبطية يشرب شمبانيا

كان هناك اثنان من أغنى الأغنياء في مصر كانا مولعين بشفيقة، الراقصة المشهورة. الأول كان ينفق مئات الآلاف من الجنيهات من أجل إرضاء شفيقة، ولكنه انتهى به المطاف بفقدان ثروته بدون أن يحصل على شيء منها. أما الثاني كان يحصل على دخل لا يقل عن 300 جنيه ذهبي في اليوم وكان يظهر إعجابه الشديد بشفيقة عن طريق طلبه بفتح زجاجات الشمبانيا للخيول التي تجر عربتها.

عندما انتقلت شفيقة للرقص في ملهى “ألف ليلة”، ظهرت بملابس مصنوعة من الذهب وحذاء مزخرف بالماس، مما جعل شهرتها تنتشر بسرعة كبيرة. بدأت شركة فرنسية في صناعة منتجات تحمل صورتها مثل زجاجات العطور والمراوح وعلب البودرة التي تم بيعها في جميع أنحاء العالم.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

عروض شفيقة القبطية في باريس

أحد السياح الذين زاروا مصر كان تاجرًا فرنسيًا، وقع في حب شفيقة وأراد الزواج منها. ولكنها رفضت الاقتراح مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، عندما اقترح عليها أن ترافقه إلى باريس لتعرض فنها هناك، وافقت شفيقة. وخلال رحلتها إلى باريس، قدمت رقصاتها التي سحرت جمهور العرض الدولي الكبير الذي كان يُقام في ذلك الوقت.

عندما عادت إلى مصر، كانت شفيقة قد تطوّرت كثيرًا. كانت تشعر أنها تمتلك الثروة والمجد، وقد ازدادت أناقتها بفضل فترة إقامتها في باريس. أصبحت الموضة الجديدة لدى النساء من الطبقة العليا وكانت تتمتع بسمعة لا تضاهى في مجال الأناقة.

موكب شفيقة القبطية ينافس الأمراء والملوك

شعرت شفيقة أنها ملكة الرقص، وأرادت تأكيد هذا الشعور من خلال اقتناء ثلاث عربات حنطور فاخرة وعشرات من الخيول الأصيلة. وبهذه الطريقة، كانت تظهر رفاهيتها وأناقتها أثناء تنقلها بين المناسبات المختلفة.

عندما كانت تتنزه مرة بموكبها في الجزيرة، كانت كل عربة تجرها أربعة من الخيول المطهمة، محاطة باثنان من (القشمجية) ومتقدمة باثنان من السياس اللذان كانا يصيحان: (وسع.. وسع).

في إحدى المرات، كان الأمير حسين كامل يتنزه في نفس المنطقة، ولما رأى الموكب، ظنه لأحد الأمراء. لكن عندما عرف الحقيقة، غضب وذهب إلى الخديوي ليخبره بأن هناك سيدة مصرية تنافس الأمراء وتنافس الخديوي نفسه في الأبهة والعظمة!

سرعان ما أصدر الخديوي فرمان  يمنع أصحاب العربات من استخدام السياس والقشمجية، مقتصرا استخدامهم على الخديوي والأمراء.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

الجانب الإنساني من حياة شفيقة القبطية

في حياة شفيقة القبطية، تتجلى جوانب إنسانية رفيعة، فقد كانت كريمة إلى حد الجنون أحياناً، ففي إحدى المرات، أوقفت  مشاجرة بين رجلين، وعرفت أن أحد الرجلين استأجر دكاناً من الآخر وعجز عن دفع إيجاره عدة أشهر، فتقدمت شفيقة ودفعت متأخر الإيجار كله ومنحت مستأجر الدكان منحة سخية.

ووفي مرة أخري سمعت عن تاجر أقمشة كبير ممن كانت تتعامل معهم، موشك على إعلان إفلاسه، فأسرعت إليها لتمده بمال يحول دون إفلاسه، وبالإضافة إلى ذلك، كانت شفيقة لا تحجم عن إحياء أفراح بعض الفقراء دون أن تتقاضى أجراً. بل وكثيراً ما كانت تمنح العروسين مساعدة مالية تعينهما على قضاء شهر عسل سعيد.

شفيقة القبطية وحلم الأمومة

لكن هناك شيئا واحدا لم تستطع شفيقة تحقيقه، وهو أن تصبح أماً. بالرغم من أنها لم تنل هذه الأمنية، إلا أنها تبنت طفلاً اسمته زكي وعوّضته بحنانها ورعايتها. ولكن الشاب زكي تربى في بيئة من الترف والمداعبة الزائدة، فأصبح شخصاً مدللاً ومتطلباً. ورغم محاولات شفيقة لإسعاده وتلبية رغباته، إلا أنه انزلق وتعاطى المخدرات والكحول.

 

حاولت شفيقة أن تعوض ابنها بإقامة حفل زفاف فخماً ومميزاً، وشارك فيه العديد من الفنانين والمغنين. لكن الشاب زكي تدهورت حالته بسرعة وتوفي بعد فترة قصيرة من زواجه، مما ألم بشفيقة بشدة وأحزنها كثيراً. كانت هذه الخسارة مؤلمة بالنسبة لها وأثرت بشكل كبير على حياتها.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

بداية النهاية للراقصة شفيقة القبطية

في البداية، تقدمت شفيقة في السن، وقل العدد المعجبين بها، وتلاشوا عنها واحدا تلو الآخر، وحينما تلفتت وراءها لم تجد أحداً منهم، تلاشت الثروة الزائدة التي كانت تمتلكها بعد انقضاء سحرها ورحيل الشباب. لم يبق لها من تلك الأمور سوى الذكريات، وبقيت معها فقط بيت واحد في شبرا. قررت أن تعيش فيه وأجرت بعض الغرف. ومع ذلك، وقعت في حب شاب جديد وباعت منزلها بسببه، وافتتحت محلاً لبيع الخمور في شبرا، ولكنها اضطرت لبيعه لإرضاء فتى جديد آخر إلا أنه أخذ أموالها وتركها واضطرت أيضاً للرقص بعد أن شاخت وذلت نفسها في مقابل ما يمكنها الحصول عليه.

وفي عام 1926 رحلت شفيقة القبطية عن عالمنا وهي في الخامسة والسبعين من عمرها تاركة وراءها نصف قرن من المجد والشهرة.

تابع كل النجوم على تطبيق نبض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى