عربىمنوعات

أغناهم عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان .. قائمة الأثرياء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

في عالمنا تزداد قيمة الأشخاص بزيادة ثرواتهم وترتيبهم في قوائم الأثرياء، بغض النظر إلى مصدر تلك الثروات أو فيما تُنفق، وإذا تحدث شخصٌ ما عن حياة العرب والجاهلية قبل الإسلام وما بعد الإسلام يظن أنها لم تكن سوى صحراء جرداء لا خير فيها ولا أرزاق، خاصةً صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين عُرفوا بزهدهم في الحياة رغم أن أغلبهم كانوا من أهل الترف والغنى، لكن أموالهم صغرت في أنظارهم مع قدوم الإسلام، وكانت قيمته الحقيقة في التصدق، كالذي يكسب المال الحلال ليستغني به عن الخلق، ويترك ورثته أغنياء، ويبذل ماله في وجوه الخير، وكسب أصحاب المجتمع الطاهر ثرواتهم من عملهم الحر في سوق البيع والشراء في المدينة النبوية، وبأياديهم البيضاء في مجال الصدقة والوصية والوقف وغيرها من وجوه الخير، وإن كان حرصهم على إخفاء الصدقة كحرصهم على طيب الكسب.

وبالنظر في كتب التاريخ والتراجم – كسير الأعلام وتاريخ الإسلام للذهبي بأسانيد بعضها محل نظر- نجد عددا من أثرياء الصحابة، منهم:

ثروة عثمان بن عفان

فأما ثروة عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ, فتقدربـ «ثلاثين مليون درهم فضة،  ومائة وخمسين ألف دينار،  إضافة إلى صدقات تقدر بقيمة مائتي ألف دينار..»، وقد بشر بالجنة في عدة وقائع بذل فيها ماله بسخاء، ومنها أن عثمان ــ رضي الله عنه ــ ظفر بحفر بئر معونة حين قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: (من حفر رومة فله الجنة) فحفرها وفاز بالجنة.

كما ظفر أيضًا بتجهيز جيش العسرة «جيش تبوك» حين قال ــ عليه الصلاة والسلام: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه ــ رضي الله عنه ـ وخبر حفره للبئر وتجهيزه للجيش في صحيح البخاري، وغيره.

ثروة طلحة بن عبيد الله

وأما طلحة بن عبيد الله ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مليوني درهم، ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار» وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة. وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه بما بينه وبينه من الرحم، فأعطاه أرضاً قيمتها ثلاثمائة ألف درهم، وقيل أكثر من ذلك..! وكان لا يدع أحدا من بني قرابته القريبة والبعيدة إلا كفاه حاجته وقضى دينه. وقيل في تقدير ثروته أكثر من ذلك, ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي: «قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم, ومائتا ألف درهم. وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم» أي: ثلاثمائة مليون درهم..! قال الذهبي تعليقا على ذلك: «أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث, قال: وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب!».

ثروة الزبير بن العوام

وأما الزبير بن العوام ــ رضي الله عنه ــ فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَّثه «خمسين مليونا ومائتي ألف»، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير ــ رضي الله عنه ــ «قتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة (وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف، فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف, أي باعها بمليون وستمائة ألف)، وإحدى عشرة داراً في المدينة، ودارين في البصرة، وداراً في الكوفة، وداراً في مصر.., وكان للزبير أربع نسوة, ورفع الثلث – أوصى به لأولاد ابنه عبد الله – فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف،  فجميع ما له خمسون ألف ألف ومائتا ألف» ومن حرصه ــ رضي الله عنه ــ على إعادة الديون إلى أصحابها أنه وقف يوم الجمل، فدعا ابنه عبد الله،  وقال: يا بني.. إن من أكبر همي لديني،  أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بني بع مالنا, فاقض ديني.., فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين, فثلثه لولدك..،  وكان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه،  فيقول الزبير: لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة» فبارك الله في عقاره الذي ورثه بسلامة نيته, وصدق أمانته، وتم بيعه بملايين الدراهم.

ثروة عبدالرحمن بن عوف

وأما عبد الرحمن بن عوف ــ رضي الله عنه ــ فهو أغنى صحابي في عهد الرسول،  وتقدر ثروته بـ «ثلاثة ملايين ومائتي ألف دينار»، أي: ما يساوي اثنين وثلاثين مليون درهم فضة لأن الدينار الذهبي يساوي عشرة دراهم،  وهذا حسب الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، حيث قال: «جميع تركة عبد الرحمن بن عوف ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف (أي ثلاثة ملايين ومائتا ألف)، وهذا بالنسبة لتركه الزبير قليل جداً, فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم؛ لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جداً»أ.هـ، وقد كان ــ رضي الله عنه ــ عصامياً، فقد ابتدأ ثروته من الصفر بل إنه عرض عليه سعد بن الربيع الخزرجي ـ رضي الله عنه ــ أن يشاطره في نصف ماله مجاناً – وذلك حين آخى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين سعد – فرفض عبد الرحمن بن عوف هذا العرض المجاني، وقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق, فربح شيئا من أقط وسمن..» فابتدأ ثروته بأقط وسمن ثم حاز الملايين, فكان الاستثمار في السوق بالبيع والشراء هو الأسلوب الاستثماري لعبد الرحمن ــ رضي الله عنه ــ حتى أصبحت ثرواته على مرأى ومسمع من أهل المدينة، كما روى أحمد في مسنده من حديث أنس ــ رضي الله عنه ــ (أن عبد الرحمن أثرى، وكثر ماله، حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق) وفي البداية والنهاية»، وترك ألف بعير، ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع، وكان نساؤه أربعا، فاقتسمن ثمنهن، فكان ثلاثمائة وعشرين ألفا, لكل واحدة منهن ثمانين ألفا. وقد بلغت ثقته باحترافه في مجال التجارة، أنه قال: لقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة..! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان عامة ماله من التجارة. ففتح الله عليه في التجارة, كما فتح الله عليه في الصدقة.

من أوجه الصدقة التي بذلها عبد الرحمن بن عوف

1 – أنه باع مرة أرضا بأربعين ألف دينار, فتصدق بها.

2 – أوصى لمن شهد بدراً بأن يعطى كل واحد منهم أربعمائة دينار فوجدوا مائة رجل بدري, أي أوصى لهم بأربعين ألف دينار.

3 – أوصى بألف فرس في سبيل الله.

4 – أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة, فقومت بمائة ألف.

ثروة سعد بن أبي وقاص

وأما سعد بن أبي وقاص ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مائتي ألف وخمسين ألف درهم»، ومما يدل على ثروته ــ رضي الله عنه أنه جاء في الصحيحين أنه قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله, بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا، الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..) لقد كان ــ رضي الله عنه ــ يتطلع إلى أن يتصدق بثلثي ماله؛ لأنه لا يرثه إلا ابنة واحدة، وظل يراجع النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ليوصي بالأكثر من ماله، فلا يأذن له ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلا بالثلث؛ لئلا يجحف بورثته، مع كونه لا يرثه إلا ابنة، إذن فكيف بمن يرثه أكثر؟ وكيف بمن لم يكن ثرياً؟ ولهذا استحب بعض السلف أن تكون الوصية بمقدار الربع.

ثروة خباب بن الأرت

وكان خَباب بن الأرت من الأغنياء، قال: لقد رأيتني مع رسول الله ما أملك دينارًا، وإن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف وافٍ، ولقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، وذكروا أن زيد بن ثابت خلف من الفضة والذهب ما كان يُكسر بالفئوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار، وخلف يعلى بن منية خمسين ألف دينار وعقارًا وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم.

ومن أغنياء الصحابة المقداد بن الأسود كان عنده غرائر من المال، ومنهم عروة بن الجعد وأنس بن مالك وعمرو بن حريث القرشي المخزومي، ومن تجار الصحابة سعيد بن عائد وأبو معلق الأنصاري وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب وحاطب بن بلتعة وسويد بن قيس العبدي.

ثروة عمرو بن العاص

ترك عمرو بن العاص عند موته سبعين بهارا من الذهب، أي 210 قنطارا أو 140 اردبا من الذهب، وأثناء موته عرض هذه الأموال على أولاده فرفضوا وقالوا: حتى تعطي كل ذي حق حقه، أي اعتبروها سحتا، فأخذ معاوية هذا المال وقال “نحن نأخذه بما فيه”.

أبو بكر الصديق

وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية.

وكان منشؤه -رضي الله عنه- بمكة لا يخرج منها إلا للتجارة، وكان غنيا في قومه ومحبوبا بينهم لصدقه ومروءته وإحسانه، كما كان معتبرا ومن رؤسائهم وأهل مشاورتهم، وكان من مهامه تولي الديات والمغارم.

لقد حصد هؤلاء الأطهار تلك الأموال الطائلة مع تواضع منابع الثروة في ذلك الوقت، ومع هذا لم تتسلل الثروة إلى قلوبهم، بل كانت في أيديهم، كما أنهم لم يتورطوا في أزمات ائتمانية تحيل ثرواتهم إلى خراب.

تابع كل النجوم على تطبيق نبض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى