زمان يافن

عمر الجيزاوي.. المونولوجست الذي أنصفته الثورة

كان والده يعمل في مهنة البناء، عامل كغيره من العمال يعيل اسرته بجهده وعرقه، لذلك وكالعادة ذهب أكبر ابناءه للعمل معه، ليساعد تلك الأسرة، ولأنه الفتى الصغير، كان يحمل “القصعة” على كتفه ويصعد على “السقالة” وهو يغني، لم يكن يدرك هذا الفتى الصغير والذي كان معروفا وقتها باسم ” عمر سيد سيد سالم” أنه سيصير نجما بعد أعوام قليلة، وانه سيصبح أحد خصوم الملك فاروق بعد ان يتحول اسمه إلى “عمر الجيزاوي”.

المعمارجي

في حارة درب الروم بالجيزة وفي يوم 24 ديسمبر عام 1917، ولد عمر الجيزاوي، اسرته من الصعيد نزحت مع عائلها للبحث عن فرصة عمل في القاهرة، فكان “المعمار” هو العمل الذي تعيش منه الأسرة، ويوم بعد يشب عمر، ليذهب مع والده للعمل، ويظل يغني، ليمر الوقت عليه وعلى والده وزملاءه، عمر يغني فقط لتسلية العاملين في البناء.

ذات يوم واثناء ما كان عمر يحمل “الإسمنت” على ظهره ويصعد وهو يغني، سمعه المقاول، ليطلب منه ان يغني في حفل زفاف ابنه، ليتحول عمر في يوم وليلة، من عامل بناء إلى مطرب في الأفراح يتهافت عليه الجميع ليحي أفراحه، حتى أنه أحيا حفل زفاف أنور السادات.

شيئا فشيئا يدرك الجيزاوي أن الطرب ليس طريقه ليستغل صوته في صياغة المونولوج الفكاهي، ليذيع صيته أكثر، منطلقا من خفة دمه وصوته المتميز، يحلق عمر عاليا، حتى ان السينما تأتي إليه سريعا، ليقدم أول ظهور له عام 1951، في فيلم خد الجميل، ليأخذ بعدها دورا أكبر في فيلم “خضره والسندباد القبلي” في العام نفسه.

خصم الملك تنصفه الثورة

الجيزاوي لم يكن ممن يستطيعون ان يكتموا النكتة لمجرد أنها تمس رئيس أو ملك، فسخر من الملك فاروق وحاشيته ومغامراته النسائية، فما كان إلا ان أصدر الملك أمرا، بوضع اسم عمر الجيزاوي ضمن ملفات البوليس السياسي بتهمة الشيوعية.

” لما تيجي تغني أمدح مولانا وعيلته، وكل عيش” أعتقد أن هكذا قالها له ضابط البوليس السياسي، حينما تم استدعاء الجيزاوي للتحقيق معه بتهمة الشيوعية، ولكن الجيزاوي رفض رفضا قاطعا، حتى حينما هدده الضابط ان سيصبح مطارد أمنيا ولن يعمل بعد اليوم، ولن يجد قوت يومه، ولكنه الصعيدي الهوى والهوية، رفض التهديد أيضا وآثر اعتزال العمل الفني.

ولكن أشهر قليلة وقامت الثورة ورحل الملك وحل جهاز البوليس السياسي، كل هذه الأحداث كانت دافعا ليعود الجيزاوي من اعتزاله، يعود ليكثف نشاطه الفني فيطلق العديد من المونولوجات بتلك اللكنة الصعيدية وطريقته المميزة، ولكن حتى الشهرة تأخرت قليلا فلم يتعرفه الجمهور بحق إلا حينما غنى مونولوج “عطشان تعالي اشرب” ليصبح اسم الجيزاوي على لسان جمهوره “بتاع العرقسوس”.

الجيزاوي تبلغ شهرته عنان السماء ويكون في السينما مع المخرج والكاتب الكبير السيد بدير والفنان محمد التابعي ثلاثي كوميدي، ثلاثي الرحيمية، حيص كبير الرحيمية قبلي وولده والغفير، نجح هذا الثلاثي نجاحا كبيرا، حتى انه أصبح مطلوب بشكل كبير في السينما لدرجة دفعت إسماعيل ياسين بالاستعانة بهم.

شابلن العرب رحل مكتئبا

الجيزاوي أيضا لم تتوقف شهرته في حدود مصر والعالم العربي، بل تعدتها إلى فرنسا، حيث شكل عمر الجيزاوي فرقة استعراضه وزار عدة بلدان أوروبية، من بينها فرنسا والذي عشق جمهورها الجيزاوي وفرقته لدرجة انهم أطلقوا عليه لقب “شارلي شابلن العرب” ووضعوا صورته على علب الكبريت لديهم.

الجيزاوي خلال العدوان الثلاثي ذهب للإذاعة المصرية وسجل أغنية ” ياللي من البحيرة وياللي من اخر الصعيد” دعما لحركة الفدائيين المتوجهين لبورسعيد من كل محافظات مصر، ولكن الملحن جمال سلامه قام بأخذ اللحن واعطاه لشادية لتغنيها هي باسم “مصر اليوم في عيد” لتنجح الأغنية نجاحا شديدا ليزيد اكتئاب عمر في أواخر أيامه، نعم أصيب عمر الجيزاوي بالاكتئاب لفترة طويلة في حياته، خاصة حينما انحسرت الأضواء عنه ليرحل عن دنيانا في 22 ابريل عام 1983.

الجيزاوي كان يقول دائما عن نفسه، انه كوميديان ذو فلسفة، فهو كان يرى مثلما رأي برنارد شو، أن الضحك لابد أن يقدم شيئا أخر بجواره، لابد أتناقش الكوميديا موضوع، وانت تقدم قيمة إنسانية، الكوميديا ليست وظيفتها الإضحاك فقط، بالضحك هو الوسيلة لتقديم قيمة أو فكرة أو مناقشة قصية ما.

تابع كل النجوم على تطبيق نبض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى